شن الجيش الإسرائيلي قصفا مكثفا على قطاع غزة المحاصر...
في عام 2015 شنّ العالم سيلاً من الادعاءات على إحدى الشركات الرائدة في تصنيع المبيدات الحشرية والعشبية المستخدمة في حماية المحاصيل الزراعية “مونسانتو”, مفادها: المبيد العشبي “جلافوسيت” -المبيد الأكثر استخداماً في العالم- متهمٌ بتصنيفه مسببًا محتملًا للسرطان, إثر قرارٍ “غير دقيق” صادر عن المنظمة العالمية للسرطان WHO.
غير دقيق؟ .. تصريح؟ .. ما القصة؟
لنعد بالزمن قليلاً ولنأخذ وضعية الدفاع لصالح “مونسانتو” للحظةٍ ضد هؤلاء الذين يُشيرون بأصابع الاتهام, فمئات الناس يُقاضون “مونسانتو” لاستخدامها مبيداتٍ حشريةٍ كـ “الجلايفوسيت” ويُعتقد أنه قد يكون أحد المسببات المحتملة لمرض السرطان, والجدير بالذكر أنّ هذه الادعاءات أعلنت حربًا حامية الوطيس اعتمادًا على أبحاثٍ أُجريت من قبل “الوكالة العالمية لأبحاث السرطان IARC“, وهي إحدى المجموعات التابعة لمنظمة الصحة العالميةWHO , إذ أسفرت جميع هذه الابحاث بهذا الصدد عن نتائج تُدين “الجلايفوسيت” كأحد المسببات المحتملة للسرطان في عام2015.
لحسن الحظ, كشفت الوكالة العالمية للأخبار (Reuters) , مشكلةً بشأن الدراسة المُجراة, تُفيد بأنّ أحد العلماء (آرون بلير) من لجنة بحث الوكالة العالمية لأبحاث السرطان قد قام بإيقاف دراسةٍ ضخمة محكمةِ التنفيذ, تُشير بأنّ “الجلايفوسيت” قد لا يكون أحد مسببات السرطان المحتملة, ولعلّ الجزء الأغرب في الموضوع أنّ ” بلير” كان أحد المؤلفين لذات الدراسة التي اختار إيقافها. لن يسعنا القول أنّ السبب المبهم لإيقاف تلك الدراسة هو عدم دراية بلير الكافية بالدراسة أو ضعف تنفيذها, فقد أقرّ بلير أنه في حال اكتمال الدراسة وخضوعها لتحليل الوكالة العالمية لأبحاث السرطان؛ فإنها لن تدين “الجلايفوسيت” كأحد المسببات المحتملة للسرطان!
صرّحت الوكالة العالمية لأبحاث السرطانIRAC أنّ تلك الدراسة الموقَفة لم تُضمّن في إحصائية الدراسات المجموعة, لأنها لم تُكمل متطلبات النشر في ذلك الوقت. لنتوقف قليلاً ونتأمل الأدوار لرسم صورةٍ منطقيةٍ متسلسلة: لجنة IRAC هي ذاتها لجنة مراجعة الأبحاث, فالدراسة الموقفة تمّت تمامًا كما يجب لكنها لم تخضع لخطوة المراجعة الأخيرة. فبديهيًا كان علىIRAC أخذ ذلك بعين الاعتبار للنظر في البيانات بشيءٍ من الدقة، لو تمّ ذلك، لأصبحت توصياتهم النهائية بصدد “الجلايفوسيت” دقيقةً واختصروا عقبة التدحرج عبر سلسلة المحاكم والادعاءات، والأهم، توفير الكثير من العناء النفسي الذي تكبّدهُ هؤلاء المدّعون, ففي نهاية المطاف، السرطان معقد الأسباب ومبهم بالنسبة للكثير. ربما شعر هؤلاء المدّعون ببعضٍ من الارتياح المؤقت لقبضهم على متهم السرطان في نظرهم المتواضع، ولكنهم بلا شك سيدورون مطولاً في دوامات المحاكم للقبض على “متهم وهمي” أثناء مصارعتهم معضلاتٍ صحيةٍ مبهمة الأسباب!
لطالما كان ” الجلايفوسيت” تحت مجهر البحث على مرّ السنين, فتارةً يتم إدانته بتهمة السرطان وتارةً يتم إسقاط التهمة. ولإثارة المزيد من الدهشة, صرّحت IRCA أنها لا تملك خِططًا حالية لتعيد النظر في تصريحها النهائي المعلن عنه في 2015. ففي هذه الأثناء لا يزال “الجلايفوسيت” هو المبيد العشبي والحشري الأكثر استخدامًا في العالم, وسيقرر الاتحاد الأوروبي في نهاية السنة الحالية ما إذا كان سيسمح باستمرار استخدام “الجلايفوسيت” أم لا, ولنأمل أنه لن يُجبر على فعل ذلك إثر القرار الرسمي -غير الدقيق- الصادر من أكثر المنظمات ثقةً في العالم.
تحديث:
في عام 2016 كان إجماع وكالات العالم التنظيمية ممثلةً بمنظمة الصحة العالمية WHO على قرارٍ جديد مفادُه: ” من غير المحتمل أن يكون الجلايفوسيت مسببًا للسرطان للإنسان عبر تعرضه لتلك المادة من الغذاء المستهلك الذي تمت معالجته بالجلايفوسيت، وعدم تسببه بالسُّمية الجينية كحدٍّ أقصى يصل إلى 2000مج/كج”. وتتمّ دراسة الجلايفوسيت حاليًا من قِبل مبادرةٍ بحثيةٍ تُعنى بدراسة المواد الكيميائية المثيرة للشك, تُسمّى “Detox Project” ومستوياتها المسموحة في الغذاء وتراكمات تلك المادة في جسم الانسان لدرجات قد تصل للسُّمّية، والعواقب الصحية لذلك.
ترجمة و إعداد : لينة أبو شنار
تدقيق: مروى بوسطه جي