اختبارات الشخصية .. حقيقة أم وهم ؟

أتعني اختبارات الشخصيَّة شيئًا؟

وظيفتك المُستقبليَّة طبيب!
شريكك المُتسقبلي من شكل عيونك!
أي شخصيَّة في مسلسلك المُفضَّل أنت؟ أتنتمي لمنزل تايغاريان أم لانيستر؟
أخبرنا فاكهتك المُفضَّلة وسنًخبرك من أنت!
قد تبدو هذه الأسئلة سخيفة قليلًا (أو كثيرًا حسب كميَّة الوقت الذي تقضيه في تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعيّ،) ولكنَّها كُلُّها اختبارات موجودة فعلًا على الإنترنت ومُنتشرة جدًّا على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وإذا لم تقم بها فلا بُدَّ رأيتها مرَّة أو مرتين أثناء تصفُّحِك لهذه المواقع، فما مدى صحَّتها علميًّا؟ وهل يجب أن تهتم حقًّا لنتائجها ومعناها؟
في البداية علينا أن نوضِح مفهوم الشخصيَّة حتَّى نتفق على ما نتكلَّم عنه هنا بالضبط. ما هي الشخصيَّة؟
امتلاكك لعينين ليس أمرًا مُميَّزًا، كل الفقاريَّات لها عيون، ومعاكسة الإبهام التي تُعتبر ميِّزة بشريَّة خالصة (قدرتنا على تحريك ابهامنا ليلمس كل أصابعنا) لا تُميِّز البشر عن بعضهم، وحتَّى كُل الصفات النفسيَّة يُمكن إيجادها لدى الجميع بدرجات مُختلفة، ولكن شخصيَّاتنا كأفراد ما يُميِّزها هو طريقة تعبيرنا عن الصفات الشخصيَّة لنسلك سلوكًا معيَّنًا، وشخصيَّاتنا الفرديَّة الفريدة من نوعها هي نتاج تفاعل هذه الصفات التي يملكها الجميع بنسب متفاوتة.
لذلك فقد عرَّف الباحثون الشخصيَّة بطرق مُختلفة كثيرة، ولكن ما اتفقوا عليه هو أنَّها مجموعتك الخاصَّة من الأفكار والمشاعر والسلوكيَّات؛ هي تلك الصفات التي تجعلك فريدًا والتي تكون ثابتة لُمدَّة طويلة وتنطبق على مواقف عِدَّة أثناء تفاعلك مع بيئتك والأشخاص حولك، وليس من السهل تغييرها.
بدراسة الشخصيَّة علميًّا، الصفات التي تجعلنا نحن كما قلنا، وكيفيَّة تفاعل هذه الصفات مع محيطنا وبيئتنا، وكيف يؤثِّر هذا التفاعل على عملنا وصداقاتنا وعلاقاتنا بالآخرين، قد نتمكَّن من أن نُحدِّد كيف تؤثِّر شخصيّة الإنسان على محيطه والأشخاص من حوله، كيف يرى الأشياء ويتأثَّر بها، وبما أن السلوك البشري اجتماعي في الأساس، فإنّ معظم ما نفعله ونقوم به مُرتبط بوجودنا في جماعة وتفاعلنا فيها، فشخصياتنا تتأثَّر وتؤثِّر في هذا التعامل، وإن عرفنا “نوع” شخصيِّتنا فإننا قد نسنتطيع التحكُّم في هذا التعامل على الأقل.
يبدو هذا سهلًا نظريًّا، فلنعرف أفضل صفاتنا لنُنميها ولنعرف صفاتنا السيِّئة لنلتقطها ونرميها بعيدًا، كيف نعرف ذلك؟ لمَ لا نستخدم اختبارًا بسيطًا نسأل فيه الناس كيف يتصرَّفون في مواقف معيَّنة؟ نستطيع أن نعرف من خلال ذلك كل ما نريده، أليس هذا سهلًا؟
ولكن هنا يكمن مربط الفرس حيث تظهر عِدَّة مشاكل تمنعنا من أخذ نتائج هذه الاختبارات بجديَّة، أهمها ما يحدث عندما تطلب من شخصٍ ما أن يُقيِّم نفسه على اختبار للشخصيَّة، فإن صَّحة (validity) هذا الاختبار تُصبح مُغالطة حيث أنَّك هُنا تضع موضوعيَّة التقييم الشخصي على عاتق الشخص الذي يقوم بالاختبار.
وقد وُجِد أيضًا أنَّه عندما يكون احترام الذات تحت تهديد ما (كقيامنا باختبار للحكم على شخصيَّاتنا مثلًا) فإنَّ ذاكرتنا تعمل بشكل لتتفادى الخطر وتزيد هذا الاحترام، ويحدث هذا عن طريق تحريف دفاعي لما نتذكره وليس نسيانه ببساطة (أي أنَّك لا تنسى تلك الذكريات، بل تُحرِّفها لتزيد من احترامك لذاتك،) وبذلك فإن كل هذا يؤثِّر على أي اختبار تقوم به عن شخصيَّتك.
مؤشر مايرز بريغ للنوع أو اختبار IMBT:
أأنت انطوائي أم انفتاحي؟ أتستخدم حواسك أم حدسك في حُكمك؟ أأنت منطقي أم تستخدم مشاعرك للحكم على الأشياء؟ أتفضِّل أن تحكم على الأشياء أم تحاول أن تأخذ قدر الإمكان من المعلومات عن الأشياء؟
تخيَّل أن بإمكانك أخذ اختبار يخبرك أي مهنة هي الأصلح لك، تخيَّل أن تكون لا تعرف ما تريد أن تفعله في حياتك، لا تدري ماذا تختار لتدرس مثلًا، وأنَّ اختبارً من مئة سؤال سيعطيك الإجابة الوافية لما يجب أن تفعله في حياتك المهنيَّة، تخيَّل أن يقول لك أنَّك شخص مُفكِّر ومنطقي ويجب أن تجد عملًا في برمجة الحواسيب لأنك تحب أن تتبَّع الأنماط وأنَّه سيكون أفضل عمل لك، أو تخيَّل أن يُخبرك مثلًا عن الصفات التي تحتاجها في شريك حياتك، ألن يكون كل شيء سهلًا من هنا؟
هذا بالضبط ما يعرضه علينا هذا المؤشِّر.
يحاول مؤشِّر مايرز بريغ أن يُقسِّم الناس الذين يقومون به لستة عشر نوعًا من الشخصيَّات، بالاعتماد على الأربع أسئلة التي سألناها في الأعلى، وهو اختبار وضعتاه كاثرين كوك بريجز وابنتها إيزابيل بيجرز مايرز في أربعينيَّات القرن الماضي بناءً على عمل عالم النفس كارل جنغ، والذي افترض أن الإنسان يحاول استكشاف العالم باستخدام أربع وظائف نفسيَّة أساسيَّة، ولكنَّ جنغ نفسه لم يستخدم الطريقة العلميَّة حقًّا في وضع تلك الصفات، وهذه أوَّل عيوب هذا الاختبار.
وضعت كُلًا من كاثرين وإيزابيل الاختبار لكي تحاولا جعل الناس يفهمون شخصيَّاتهم وشخصيَّات من حولهم وأن يتعاملوا معهم بشكل أفضل، وأن تجعلانا نفهم سلوكنا ومشاعرنا وتصرفاتنا بشكل أفضل، ولكن، بالإضافة للمشاكل التي ذكرناها في الأعلى عن اختبارات الشخصيَّة بشكل عام، فإن هذا الاختبار يملك عيوبًا أخرى تجعل تلك الحروف لا تحمل معنىً كبيرًا في تحديد شخصيَّتك، دع عنك حياتك المهنيَّة أو الشخصيَّة.
أولى هذه العيوب أن الناس مُختلفون ولا يُمكنك أن تضعهم في ستة عشر قالبًا ببساطة، لا يُمكنك ببساطة أن تُقسَّم الناس لنقيضين دون أن يقع بعضهم في الوسط، وهنا أحد أوَّل عيوب هذا المؤشّر إحصائيًّا، فمثلًا إن أخذت مجموعة من الناس بين عُمري الثامنة عشر والخامسة والعشرين وقست أطوالهم ووضعتها على مُنحنى، فإنَّك ستحصل على مُنحنى جرسيّ (Bell curve) بالتأكيد، حيث يقع المُعظم في المُنتصف عند أكثر الأطوال شيوعًا والباقي على الأطراف تحت أقل الأطوال شيوعًا، ولكن إن أخذت النتائج وصنعت مُنحنيين لكلا الجنسين فمن المنطقي أن تحصل على مُنحنيين مُختلفين، كون الإناث أقصر من الذكور عمومًا، ولكن هذا لا يحدث في هذا الاختبار، فعِند تقسيمك للناس لانطوائيين وانفتاحيين اجتماعيًّا مثلًا، فإنَه من المنطقي أن نحصل على منحنى يقع فيه الناس بين الصفتين، بحيث لا نقع جميعًا على النقيضين، بل يقع معظمنا في المُنتصف بين الصفتين، وهذا ما لا يفعله هذا الاختبار، فهو يغض النظر تمامًا عن الطبيعة البشريَّة المُعقّدة وتفاوت وتشابك صفاتنا معًا.
من المشاكل الأخرى في هذا الاختبار هي إمكانيَّة التعويل عليه (reliability)، وتعني إمكانيَّة الحصول على نفس النتيجة في كل مرَّة تقوم فيها بالاختبار، ولإنَّ تعريف الشخصيَّة يتضمَّن ثبات صفاتك على حالها لفترة طويلة من الزمن، فلا بد لنتيجة هذا الاختبار على الأقل أن تكون ثابتة لفترة طويلة كذلك، ولكن وجدت الدراسات أن أكثر من 50% من الناس يتغيَّر “نوعهم” في فترة قصيرة جدًّا، خمسة أسابيع حسب أكثر دراسة ضخامة، كما أن الاختبار لا يمتلك صفة التعويل الداخلي المُستمر (consistant internal relaibility) والتي تعني ألا يقيس الاختبار صفتين معًا في نفس الوقت، مثل المشاعر والمنطق مثلأ، وذلك لأن الشخص قد يكون جيِّدًا في كليهما معًا وليس واحدًا دون الآخر.
صفة الصلاحيَّة (validity) لا يُمكن أن تُطلق على هذا الاختبار أيضًا، فحتى يكون اختبار ما صالحًا، عليه أن يقيس شيئًا ما في الحياة الحقيقيَّة، أنا أريد اختبارًا يُخبرني ماذا سأفعل في هذا الموقف مثلًا وهذا ما لا يُعطيه الاختبار أيضًا.
بالإضافة لهذه العيوب، فإن هذا الاختبار يفتقد العديد من الصفات التي لا يختبرها، مثل الاستقرار العاطفي مثلُا والتي أثبتت أهميَّتها في تعاملنا مع الناس في حياتنا خاصَّة المهنيَّة منها، وحتَّى الصفات التي يقيسها مثل الانطواء أو الانفتاح الاجتماعي، التي يقيسها من ناحية استقاءنا لطاقتنا من التواجد حول الناس (انفتاحي)، أو استنزافهم لطاقتنا (انطوائي)، فقد ألقت درسات جديدة الضوء على كون ذلك ليس صحيحًا تمامًا، فتصنيفنا لأي من هذه الصفتين أيضًا يعتمد على طُرق تعاملنا مع مُنبهات القشرة الدماغيَّة أيضًا، إذ وُجِد أن الانطوائيين مثلًا أيضًا حسَّاسون لأي مُنبه، من الكافيين لصوت الموسيقى المُرتفع في حفل ما، وكما قًلنا الناس ليسوا انطوائيين أو انفتاحيين تمامًا، بل يميل بعضنا لصفة دون الأخرى.
فعليًّا يقوم هذا الاختبار بإخبارك بشخصيَّتك بشكل مماثل لذاك الاختبار الذي قمت به على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي الذي أخبرك من ستتزوَّج من شكل عيونك، بطريقة غير علميَّة البتَّة يجب أن لا تأخذها بشكل جديّ، رُبَّما من الممتع أن تعرف أنَّك INTP ومُفكِّر مثلًا، ولكن رُبَّما عليك ألا تجعله يُخبرك بنوع المهنة التي يجب أن تتخذها أو الصفات التي يجب أن تبحث عنها في شريك حياتك.
مصدر 1 
مصدر 2
مصدر 3
مصدر 4
مصدر 5
مصدر 6
 مصدر 7

Related Posts