شن الجيش الإسرائيلي قصفا مكثفا على قطاع غزة المحاصر...
قد يبدو للبعض عنوانا ساخرا، ولكن في الحقيقة.. هو كذلك.
في مسار موازٍ للسباق العالمي لكبرى دول العالم على إطلاق تقنية الجيل الخامس 5G، تنتشر موجة من الادعاءات بأن انتشار هذه التقنية سيسبب العديد من الأمراض الخطيرة للإنسان كالسرطان، والعقم، والتوحد، والزهايمر وأمراض أخرى تهدد وجوده، فما صحة هذه الادعاءات وما الأساس العلمي الذي تستند إليه؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال.
ما هي تقنية 5G، وما هي أهم مميزاتها؟
تعتبر تقنية الجيل الخامس أحدث تقنيات نقل المعلومات في الشبكات اللاسلكية وتتميز بميزات عديدة أهمها: معدل تأخير قليل جدا -وهو مقدار الوقت المستغرق بين إرسال المعلومات واستقبالها- يصل إلى 1mS، وهذا تطور كبير عن سابقتها 4G و التي تتميز بمعدل تأخير جيد نسبيا يصل إلى 100mS، ثانيا: سرعتها الخارقة والتي من المفترض أن تصل إلى 20Gbps، و لتتخيل هذه السرعة الهائلة فإن مثل هذه سرعة في نقل البيانات تمكننا من تشغيل 400 فيلم أونلاين في وقت واحد و بجودة 8K، هل تستطيع تصديق هذا؟!
ومن المثير أيضا حول الموضوع أن تطبيق تقنية 5G يعتبر نقلة نوعية في عالم إنترنت الأشياء IOT، حيث تسمح هذه التقنية بربط مليون جهاز بالشبكة في مساحة صغيرة جدا تساوي واحد كيلو متر مربع، في الوقت الذي تسمح 4G بربط مليون جهاز بمساحة 500 كيلو متر مربع، وذلك بشكل رئيس لأن 5G تعتمد على موجات راديوية قصيرة الطول الموجي وعالية التردد.
بعد أن تصوّرت ما سيكون عليه شكل العالم بتقنية الجيل الخامس، أبشرّك بأن هذا الحلم ليس بعيدا؛ فالعمل على طرح هذه التقنية جارٍ على قدم وساق، ومن المتوقع أنه بحلول شهر مارس من عام 2020 سينتهي تجهيز البنى التحتية وستنطلق 5G بشكل رسمي في بلدان مختلفة حول العالم.
ولكن، قد يكون هذا كابوسًا بالنسبة لك.. فهل أنت من الذين يعتقدون بأن 5G ستسبب أمراضًا خطيرة للإنسان؟
موجات 5G؛ موقعها في الطيف الكهرومغناطيسي وأبرز خصائصها
تعتمد إصابة الإنسان بأمراض تسببها 5G على قدرة الموجات المستخدمة في هذه التقنية في التأثير على الأنسجة البشرية، لذلك دعنا نتفحص هذه الموجات، هنا يظهر موقعها في الطيف الكهرومغناطيسي:
بحسب ما هو موضح في الصورة أعلاه فإن موجات 5G تقع ضمن الموجات الراديوية قصيرة الطول الموجي و ذات التردد العالي الذي يصل إلى 300 GHz، وتتميز هذه الموجات بانتشارها ضمن مسافات قصيرة نسبيا لا تتجاوز 300 متر، وبأنها غير قادرة على اختراق الجدران والأجسام الصلبة.
كيف يؤثر هذا على تسببها بالأمراض للإنسان؟
أثر موجات 5G على صحة الإنسان
بدأت الادعاءات التي تربط بين التعرض للإشارات اللاسلكية والإصابة بالسرطان بالانتشار بشكل واسع وجدي في عام 2000، وبالتزامن مع نشر الباحث الفيزيائي “بيل كوري” دراسة تظهر تأثير تعرض أنسجة الدماغ البشري للإشارات اللاسلكية والتي لخص نتائجها بالتمثيل البياني الآتي:
وقد وضحت النتائج أن امتصاص أنسجة الدماغ للموجات اللاسلكية يزداد بازدياد التردد، أي زيادة الاحتمال بالإصابة بمرض السرطان عند تعرض الأنسجة لموجات بتردد عالٍ.
ومع انتشار نتائج هذه الدراسة و تناقل وسائل الإعلام لهذه الأخبار ازداد القلق بشكل واسع حول التعرض للموجات اللاسلكية والتعامل معها، وهذه الحقبة قد مر بها أغلبنا، فالتخوف من موجات الهاتف المحمول المدعوم بتقنية الجيل الأول والثاني كان منتشرا بشكل واسع في بداية استخدامه، ويبدو أننا لم نتخلص منه حتى الآن.
ولكن، من المعروف في العلم أن دراسة واحدة لا تشكل حقيقة قاطعة، و في هذا الموضوع أجريت العديد من الدراسات عبر السنوات الماضية، ولم يتم الوصول لدليل صلب يربط بين إصابة الإنسان بأمراض ناتجة عن تعرضه لأي نوع من شبكات الاتصالات.
وهذه الدراسة تحديدا، بعد مراجعتها من قبل الكثير من العلماء، أحدهم البروفيسور “كريستوفر كولينز”، وجد أن نتائجها لا تعتبر دقيقة؛ حيث أنها تمت على أنسجة معزولة في المختبرات لا على أنسجة الإنسان الداخلية وبالتالي قد تم تجاهل دور الجلد في العمل كحاجز يحول دون وصول الموجات الراديوية القصيرة إلى هذه الأنسجة، والجلد أساسا قادر على حماية الأنسجة الداخلية من الموجات القصيرة جدا أهمها الإشعاعات الشمسية.
إذن، فإن الأمر ليس بالخطورة التي يروج لها البعض..
ومع ذلك نؤكد على أن البحث العلمي في هذا المجال لم يتوقف، ولا بد من متابعة آخر مستجداته.
ناشطون ضد الجيل الخامس ونظرية المؤامرة
أقصد بالبعض هنا من يطلقون على أنفسهم “ناشطون ضد الجيل الخامس“و الذين ينشرون باستمرار حملات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي ضد إطلاق 5G بحجة التحذير من مخاطرها على حياة الإنسان، ولكن دون الاستناد إلى أدلة علمية واضحة، وإنما تعتمد هذه الحملات في انتشارها على خطاب نظرية المؤامرة بصورة أساسية، هذا الخطاب الذي من السهل أن يجذب الناس “بسبب رغبة الإنسان العميقة بالانتماء إلى المجموعة التي استطاعت كشف الحقيقة” جون كيلي يقول – الرئيس التنفيذي لشركة Graphika؛ شركة أمريكية مقرها نيويورك، تعمل على تحليل بيانات السوشيال ميديا باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأضاف كيلي على ذلك، بأن أغلب المحتوى التآمري على مواقع التواصل الاجتماعي مسيّر من قبل حسابات تدعم سرديات بلا أصل علمي؛ كسردية الأرض المسطحة ومحاربة المطاعيم وغيرها. ولا يحتاج الأمر إلى الكثير من الذكاء لنقول بأن المستفيدين من انتشار حملات كهذه كثر؛ ربما لغايات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لا نعلم، وليس هذا هو المهم، المهم والمؤلم حقًا هو الاستمرار باستغلال جهل شريحة واسعة من الناس لتحقيق مصالح قلة منهم من خلال نشر الخرافات و الأخبار الكاذبة
و للأسف يبدو أن خطاب نظرية المؤامرة مرة تلو الأخرى ينجح باستقطاب تأييد الغالبية ويساهم بشكل كبير بنشر أخبار بلا أساس علمي، ومما يؤكد هذا أن دراسة حديثة قامت بها مجلة Science تشير إلى أن الناس يميلون لنشر الأخبار الزائفة بنسبة 70% أكثر من الأخبار الحقيقية، ما يعني أن علينا بذل جهود مضاعفة في البحث عن الحقيقة.. ولكن، قد يكون عزاؤنا الوحيد في هذا أن 5G قريبا ستسهل علينا البحث وتجعله أسرع 🙂