شن الجيش الإسرائيلي قصفا مكثفا على قطاع غزة المحاصر...
عندما تسأل الآباء عن سبب ضربهم لأبنائهم، فإن الإجابة الجاهزة تأتي: بأن تلك الطريقة المُثلى لتربيتهم وتعليمهم الخطأ من الصواب، أو بمعنى آخر فإن الضرب -في نظرهم- هو طريقة لتحصيل الطاعة.
الآباء يطبّقون ما تم تجربته عليهم: “إذا تم ضربي وأنا صغير ولم يحدث لي شيء، إذاً فالضرب ليس بالأمر السيئ”.
لكنّ الذي يتجاهله الآباء هنا: هل كان من الممكن أن يكونوا في حال أفضل لو لم يتعرضوا للضرب أساساً؟
لسبب ما لا يرى الأهالي إلا نمطين متطرفين للتربية؛ النمط الشديد الذي يتضمن الضرب، او النمط المستاهل بافراط. فنراهم يبررون تعنيفهم لأبنائهم بأن الجيل الحالي يحتاج لهذه الشدة، وبأن اللين سيفسدهم.
ولكن ماذا عن الحلول الوسطى دون افراط ولا تفريط؟ وماذا عن نمط التربية المتوازن الذي يجمع ايجابيات النمط المتساهل والنمط الشديد ويترك سلبياتهما؛ ذلك الذي ينمي شخصية الطفل ويشعره بالحب ولكن بنفس الوقت يعلمه الانضباط واحترام القوانين؟
الآن دعونا نتخيل سينارو واحد ولكن باسلوبين تربويين مختلفين:
عائلة لديهم طفل شقيّ مُتعب لا ينفذ الاوامر، مما حوّل حياة الام المسكينة لجحيم قائم.
– الأم في الأسلوب الأول اختارت أن تواجه عصيان ابنها بالشتم والضرب: “انت اسوأ شيء حدث لي” .. “ليتني لم انجبك”.. “غبي”.. الخ.
أولا: أول رسالة ضمنية تبعثها الام لابنها هنا هي ان العنف هو لغة حل المشكلات: الابناء المُعنفون تتولد لديهم شخصيات عدوانية، لأن لغة الضرب والشتم هي اللغة الوحيدة اللي اعتادوا على رؤيتها خلال حياتهم؛ مما يجعلهم أكثر عرضة للاعتداء على زوجاتهم وأطفالهم مستقبلا بالاضافة الى احتمالية تحولهم الى متنمرين في المدارس او مجرمين في المستقبل.
ثانيا: هذا الاسلوب المُذلّ يضعف ثقته وتقديره واحترامه لذاته، حيث ينغرس باللاوعي الخاصّ به أنه “غلطة أمّه” “الغبي” “المنبوذ” الذي استحقّ الإهانات والضرب، فينتهي به الحال شخصا مهزوزا غير مستقر نفسيا سائر حياته.
ثالثا: هذا الاسلوب يولّد مشاكل القلق والخوف والاكتئاب مستقبلا. بالاضافة للرهبة من اتخاذ القرارات الحياتيّة، عدم القدرة على مواجهة الاحداث بنضج، تولد الكراهية ورفض الاخر.. وسلسلة طويلة جدا من المشاكل الأخرى التي لوحظ ارتباطها بتاريخ من العنف العائلي في حياة الانسان.
(هناك دراسة أجريت عام 2012 أشارت إلى أن التعنيف الجسدي والمعنوي للأطفال يزيد احتمال إصابتهم بالاكتئاب المرضي بنسبة تفوق الثلاثة أضعاف!)
رابعا: الجمعية الأمريكية لطب الأطفال أعلنت “أن العقوبات الجسدية للأطفال تأثيرها شبه معدوم لكنها تحمل خطر العديد من الأعراض الغير متوقعة.”
– كما أبتت دراسات عديدة أن العنف يعطي نتائج عكسيّة، فهو قد يدفع الابن للثورة على سلطة والديه وتطبيق عكس اوامرهم خصوصا مع تقدمه بالعمر ورغبته بالاستقلال من سلطتهم.
الآن لنتخيل أنّ الأُم في السينارو السابق اختارت ان تتعامل مع ابنها بطريقة تربويّة اخرى:
فصارت تنتقد السلوكات السيئة التي يمارسها ابنها دون نقد شخصيّته؛ لا توجه الاستهزاء والتحقير لشخصية الطفل، بل تحاوره وتشرح له منطقيا الاسباب التي تجعل سلوكه خاطئا.
عندما تعامل الأم ابنها كشخص ناضج و بهذا القدر من الاحترام ينعكس هذا على نظرة الطفل لذاته و ينعكس على تصرفاته. فتراه صار يتصرف بنفس القدر من النضج والاحترام.
ولكن جميعنا نعلم أن الأطفال اكثر شقاوة من ان ينفع معهم هذا الاسلوب وحده، لذلك وُجدت طرق عقاب مدروسة، اذكر منها:
– التوبيخ: الذي يكون بالاقتراب من الطفل والنظر في عينيه نظرة حادة ثم التعبير عن مشاعر الاستياء الكلامي وتسمية االسلوك السيئ الذي ارتكبه.
– العقاب المنطقي: فمثلاً إذا منع الأهل الطفل من ركوب الدراجة في الشارع خوفاً عليه ولم يخضع للكلام وركبها يتمّ عقابه بحرمانه من ركوب الدراجة لفترة معينة.
– العقاب غير المنطقي: مثل ان يُحرم الطفل من مشاهدة التلفاز ليومين لأنه كذب على والدَيه، ومن المهم هنا أن يطلب المربي من الطفل أن يكرر بصوت عال السلوك السيئ الذي يمارسه وأيضاً العقوبة التي ستنزل به إذا ما مارس ذلك السلوك.
– التركيز على مكافأة الطفل ومدحه وتعزيزه إيجابيا عندما يمارس السلوك المرغوب أكثر من التركز على عقابه عندما يمارس السلوك غير المرغوب.
– تجاهل الطفل حين يعمل شيئا لا نريده، لأن تجاهل السلوكات المزعجة سيؤدي إلى اختفائها تدريجياً خاصة ان كان السلوك الخاطئ هو عبارة عن محاولة للطفل الضغط على مشاعر الأهل ليلبوا مطالبه.
– تجنب الظروف التي تؤدي إلى حدوث السلوك غير المرغوب فيه.
– الحجز: كحجز لعبة مُتنازع عليها.
– المقاطعة: مقاطعة الطفل لفترة معينة عقابا على سلوكه السيئ.
لا يخفى على أحد أنّ التعنيف الجسدي للأطفال منتشر في البلاد العربية.
فقد أشارت دراسة أجريت عام 2010 بأن أكثر من ثلاثة من بين كل أربعة أطفال يتعرضون لنوع من أنواع العقوبات الجسدية في الأردن، بينما يتعرض طفل من بين كل ثلاثة أطفال بين عمر السابعة والعاشرة للضرب المبرح على يد الأهل.
هذه الارقام كارثيّة، نظرا للتأثير المدمر الذي يمكن لهذا التعنيف أن يتركه.
الغريب في الأمر أن العنف بشكل عام أمر غير مستساغ في الحياة العامة، فضرب الغرباء مثلاً أو البالغين في العائلة أمر مكروه وفي أغلب الأوقات يعرّض الفاعل للمساءلة القانونيّة.
وحتى عندما يسمع الأهل عن تعرض ابنهم للاعتداء على يد غريب فإنهم يشعرون بالاستياء الشديد، لكن المفارقة أن ضرب الأهل لأطفالهم يتم التعامل معه بتهاون كبير، مع أن الأطفال هم الأكثر ضعفاً والمفترض أن الأهل مصدر حماية للأطفال قليلي الحيلة.
عالمياً، هناك أصوات متزايدة تؤيّد فكرة أن تعنيف الأطفال الجسدي يخرق حقوق الطفل الأساسيّة.
فعلى سبيل المثال، قامت 24 دولة بحظر أي شكل من أشكال العقوبات الجسديّة للأطفال، من بينها: ألمانيا والسويد وإسبانيا وغيرها، بينما قامت أكثر من 100 دولة بحظر العقوبات الجسدية للأطفال في المدارس. الجمعيّة الأمريكية لطب الأطفال تنصح الآباء باتباع وسائل بديلة عن الضرب الجسدي لإدارة التصرفات غير المرغوب بها.
من الجدير بالذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الميثاق الذي وقعّت عليه العديد من الدول العربية، يحظر أي نوع من أنواع العنف الجسديّ والعقليّ على أي كان.
في النهاية، فإن الضرب “كوسيلة تربية” أثبت العلم فشلها على العكس من الاعتقاد السائد،
فقد أثبتت الدراسات المتتابعة على مدى العقود الخمسة الأخيرة أن العنف الجسدي يؤدي إلى مشاكل عديدة نحن في غنىً عنها.
أحبوا أبناءكم..
مصدر4:
كتاب: كيف تغيِّر سلوك طفلك-الأستاذ محمد ديماس